السبت، 10 مايو 2014

عكاظ الأدبي وعكاظ البيئي



عكاظ الأدبي وعكاظ البيئي 

ما أشبه الاسمين في دلالتها اللغوية بين الأمس واليوم؛ عكاظ الأدبي الذي تعاكظ فيه الشعراء بعضهم بعضا، بتفاخرهم وتناشدهم، وأشعارهم، وحولهم البائِعُ والمشتري، وعكاظ البيئي الذي يتعاكظ فيه السفهاء بعضهم بعضها، بتراقصهم، وغنائهم وإزعاجهم، وحولهم الزائر، والمتنفس؛ الأول هدمه الإسلام بما فيه من مخالفات شرعية، وضغائن بين الناس، ومنافرة بين القبائل، ومآثر جاهلية، وما يجتمعُ فيه من لعبٍ، وغناءٍ، وبيعٍ، وشراءٍ، فكانت المصلحة إزالته وإبداله بأسواقٍ تخلوا من تلك المظاهر، والمآثر الجاهلية، حتى يستقيم الناس على دينهم، ويتآلفوا بينهم، والثاني بقي دون رقابة أمنية وتوجيهية، تركزت فيها المخالفات الشرعية، والمظاهر البدعية، ومضايقة الجالس والماشي، فظل الأمر ما هو عليه وطال إلى أن يأتي أمر الله بإصلاحه وإزالة المنكرات حتى يخلوا المكان ويصبح صالحاً للقاصِ والداني .

منتزه عكاظ البيئي الواقع في جنوب غرب الرياض، والذي يعد من المنتزهات الكبيرة البالغ بمساحة 147391 مترا مربعا، وهو مشروع ضخم كلف الملايين من تعويضات نزع ملكيات عقارية، وبناء الحدائق، والأرصفة، وسور طويل يحيط بمرمى النفايات، لحماية البيئة من الغازات، وعصارة المخلفات المتولدة، ومقاومتها بزرع الأشجار، والنباتات والأزهار، حتى أصبحت منتزه، يستأنس الناس فيها، إلا أن الظاهرة الثقافية في تلك المنتزه، ليست ببعيدة عن الظاهرة السابقة لقرينتها الاسمية لسوق عكاظ الجاهلي، إذ أنتجت تلك الغازات، والعصارة المتولدة، ثقافة مخالفة للدين والعرف والطبع الذي يعيش فيه المواطن في بلد مسلم، وتحول الحياء إلى سلوكٍ ممسوخ عن الفطرة البشرية، ولم تقاوم تلك الممارسات، وتعالج بالوسائل الأمنية، والإرشادية، التي ينبغي على جميع الجهات المسؤولية في ذلك بأسرع وقت ممكن .

منتزه عكاظ البيئي بحي عكاظ، هو منفس وحيد لسكان جنوب وغرب مدينة الرياض، ومدينة الرياض أكبر مدن العالم، وأفقرها سياحة واستئناساً، سكانها يفرحون بإجازة الأسبوع والأسبوعين، حتى ينطلقوا شرقا وغربا، راحلين عن ديارهم، ولا يبقى سوى جدارهم، لا تنشئ فيها حديقة إلا وقد امتلأت، وأنشئت هذه المنتزه فعمت فرحة الجزء الجنوب غربي من سكانها، ويا فرحة ما تمت! يشاهد زائر هذه المنتزه ما يندى له الجبين، وعليه يأسف الحنين، فلم تعد المخالفة الشرعية بين الأستار، ولم تبال العقول كلام الأخيار، ولا أعلم لماذا تفردت تلك المظاهر المخالفة عن ديننا بشكل جريء في هذه المنتزه خصوصا! يتساءل الزائر من أول مرة هل المكان مخصص للتهريج ؟ إن كان كذلك أوليس كراسي للتفريج ؟ سلوك شاع وظهر جهارا ًنهاراً دون حياء ومبالاة ولم يكترث المسؤول في شكوى سكان المنطقة بتاتا .

الإنسان نتاج مجتمعه، وترك المكان الفاسد سرعان ما ينتشر ويشمل المكان الصالح، حتى لا يبقى للصلاح سوى زاوية المحراب، قرأنا وسمعنا عن أخبار الجرائم في منتزه عكاظ البيئي من خطف البنات، وبيع المسكرات، ووجدنا خلو الدوريات، وشيوع التفحيطات، الثقافة السائدة هناك غير سليمة، لم تغتنم ثروة الشباب بتواجدهم في تلك المنطقة، بدعوتها، وتوجيهها، واحتضانهم عن طريق الهلاك، شباب لديهم طاقة روحية، وعقلية، ومواهب لم تستغل وتنمى، فمالت الأجساد اليافعة إلى الأشواك القاطعة، أنه الفراغ، داء العصر، وسبيل العدو للنصر، تُرّفَع أصوات الأغاني للملأ، وتضجرت أنفس الناس والكلأ، وطال الأمد وتفطر الكبد،  حتى لم يجد السائح والنائح مكان يقضي بها إجازته الأسبوعية، سوى حديقة منزله، أو سطح عمارته، ويلبي الآباء متطلبات أبناؤهم عن يد وهم صاغرون .

وأنت تسير على حائط المنتزه، تقرأ أسماء الحدائق : حديقة الأندلس، حديقة الحمراء، حديقة قرطبة، حديقة غرناطة وووإلخ. يا له من إجحاف التاريخ، ما أبعد العيب والنقصان من شرفي، كما قالها المتنبي، والأشنع من ذلك، عندما ترى نمط الأزياء في اللبس الغربي، والتقليد الأعمى في تصفيف الشعر وصبغه، كشد يدهش،  وقزع يفزع، وقد ضُرِبَ قرار الأمير المرحوم نايف بن عبد العزيز آل سعود، وكأن القرارات تموت مع أصحابها .

وما يسمح به الخاطر، ويرض به الحائر، ما رأيناه من اجتهادات جماعية وفردية غير رسمية بتكفل الدعوة والإرشاد، في تلك المنطقة من أهل الصلاح والفلاح، أنها والله أعمال تبرد الغليل، ويشفي العليل، وما أحوجنا إلى الدعوة والإرشاد أكثر من ذي قبل، فاليوم هو يوم صراع الثقافات، ومقاومة تلك الثقافات لا يأتي إلا بالجلد والصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما المعين بعد غياب العين إلا واليها .

اللهم أهد شبابنا .. اللهم أهد شبابنا


مهند بن ناصر الخبيزي

@mohanad1408

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © تَهَاويلي