الأحد، 9 سبتمبر 2012

تَزَاوِج الأرّوِاح قَبل الأتّراح


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وصلى الله على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبهِ أجمعين . وبعد :
في هذا الزمان قد زاد الجدل في قضية من قضايا المجتمع الإسلامي، وهي قضية تستحدث وتتغير مع تغير الزمان والمكان، ألا وهي الزواج وتغييرها في المفاهيم، فقد نرى كثيرا من الشباب يخشى فكرة الزواج بأكملها، ولا سيما بأننا في عصر نمتلك السهولة في جلب المعارف أكثر من العصور السابقة، وكلما تقدمت البشرية في رُقي عقلها، واكتشافاتها في الأرض، وما يجول في داخل الفلك البشري، كلما اختلفت في فهم أساسيات لا يختلف عليها اثنان من قبل، فالزواج مطلب شرعي خلقه الله سبحانه وتعالى، وقَرّه في كل ما يدب في الأرض، ويسري في البحر، فالعاقل، وغير العاقل، لا يختلفا في أهمية الزواج بكل مناحي الحياة، وليست فقط في التكاثر، أو التعايش، لكي لا ينقرض عنصر من عناصر الحياة على سبيل المثال، وإنما الحاجة للنفس وغريزة خلقها الله ـ عز وجل ـ في خَلقه تلزمهم على ذلك، وها نحن اليوم قد ودعنا موسم الزيجات والأعراس التي تكثر في الإجازة الصيفية .
فمن المتغيرات التي أصابت بعض المفاهيم للزواج وبالأخص في العالم الإسلامي، التشاؤم لهذه السنة المحببة للفطرة، فأصبح الشاب يتخوف منها ويتباعد في نظره مَشؤمه يرسم في ذهنه طريق معوج، ومليء بالأشواك .
و حيث أن الثقافة الإسلامية استنبطت من القرآن، والسنة، حياة مؤصلة بين الزوج والزوجة من ناحية الحقوق التي توجب عليهما كل منهما تجاه الآخر، والتي ترسم لهم حياة صادقة، واضحة، مرضية، يعرفون من خلالها ما لهم، وما عليهم، وما ينير لهم الطريق، إلا أن ضعف معرفتها التي ساد على كثير من عامة المسلمين، فضلاً عن الأزواج بالأخص، سببت في تغيير مفاهيم ولِّدت مشاكل عويصة، منها :
1ـ الجهل بأدبيات الزيجات الإسلامية المستنبطة من القرآن، والسنة، وخاصة عند الخلافات الزوجية، فنرى كثيراً من أسباب المشاكل الزوجية، عدم معرفة أحداً منهما أو كليهما الحقوق الزوجية المكلفة على كل واحدا منهما، وقد ثبتت دراسة من المملكة العربية السعودية أن 30% من حالات الطلاق سببها هو الجهل في الحقوق الزوجية بين الطرفين، مما أدى إلى بعض الجمعيات الخيرية إلى إقامة برامج لدعم الشاب، والشابة المقبلين على الزواج، وقد يوشك هذا الأمر في المستقبل أن يكون إجبارا من قبل الدولة على المقبلين للزواج .
2ـ كثرة الطلاق في الزيجات على أتفه الأسباب، حتى أصبح أمر الطلاق عند الناس أمراً عادياً ليس فيه غرابة، كونه يُسمع في كُل حينٍ وآخر، فاعتادوا عليها ولم يروا في ذلك حرج، حيث أثبتت دراسة من وزارة الشؤون الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية، أن ثلث عقود النكاح تنتهي بالطلاق، منها60 بالمائة من حالات الطلاق تقع في السنة الأولى من الزواج، وهذا دليل على الضعف المعرفي لدى البعض للحياة الزوجية .
3 ـ تأخر الزواج من العمر، وبالخصوص عند الشباب القادر على الباء، فقد رأينا عزوف ملحوظ على الإقبال للزواج، وذلك من جراء ما رأوه وسمعوه مما سبقوهم، فضلاً عن انتشار البطالة وزيادة التكاليف الزوجية، وغلاء المهور، والتعقيد في الشروط من بعض أولياء الأمور أو الفتيات أنفسهم، فأضعفت رغبتهم فيها وفضلوا الجلوس وحدهم دون شقهم الآخر الذي يُكَمل دينهم وحياتهم .
4ـ استحداث أمور دخيله على العرف الإسلامي ومخالفتها للشريعة، والتسليم بها وأن كانت ولله الحمد ليست بالكثير إلى إنها ظاهرة تستحق الذكر للمعالجة، وهي المهاتفة ما قبل عقد النكاح، أو المقابلة المنزلية، وقد سمعنا ذلك بجراءة، وهذا من قصر المعرفة الشرعية، والغزو العقائدي الذي يشاع في البرامج الفضائية والمسلسلات الهابطة، حتى لم يُرى بها بأس عند البعض، وذلك ما يدّعوه فاعِلوها أنها من مفهوم النظرة الشرعية ! وغيرها من المستجدات الدخيله .
5ـ أحببت أن أشير إلى نقطة استثنائية وظاهرة جديدة وهي : شرط في عقد النكاح نراه قد كثر وهو ( المؤخر ) وأن كان مُبَاح، ولكن قد أنتشر بين الناس أكثر من قبل، فلم كُنا نسمع به مثل اليوم ! فكانت صفاء النية لم تنظر إليها، ولكن اليوم فهو أمر ليس بالغريب مع سماع  كثرة المشاكل الزوجية، والصعوبة في حلها، وهذا دليلاً على الخوف الغير مستبعد من حدوث الطلاق في وقتنا هذا .
6ـ قلة التعدد في الزواج عند الكثير من الناس، فقد أصبح الرجل الذي يريد التعدد في نظر بعض العامة، صاحب هوى، لا صاحب سنة، فقد قال الله سبحانه وتعالى ( ... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) سورة النساء الآية 3  . فأبدى الله ـ عز وجل ـ بالتثنية ولم يبتدأ بالواحدة، فحسب أحد الإحصائيات في دولة الكويت، قد بلغت العنوسة لدى النساء 30% بالمائة، والله سبحانه وتعالى لم يجعل هذه السنة للهوى، أو اللعب، وإنما هي حاجة ماسة تخدم للنساء قبل الرجال، وقد ثبت أمرها بالعقل والمنطق .
وأخيرا .. الحديث في الزواج حديث لا يقتصر على كِتابه مقال، أو كِتاب، أو مُجلّد، وإنما هي حياة لا تستطيع الأقلام الانتهاء من خَطِها، فهي حياة جميلة بتناغمها، وتشابكها، وألوانها، فقد سمى الله ـ عز وجل ـ الزواج في القرآن الكريم بالميثاق الغليظ، فعلى الشاب مراعاة الله سبحانه وتعالى في حليلته وأن ينظر إلى ما يرضي الله به، ويستنير من الكتاب والسنة، ويعلم أن ما عنده هي أمانة مخلوقة مكلفه، ومحاسبة عند الله اوتمن فيها بدلاً عمن كان يولّي أمرها، وعلى ولي أمر الزوجة الحرص في تزويج أمانته من كان كفؤ، وذلك أن لا يستهين في السؤال عن الخاطب، فإن بعد التزويج الخروج عن المسؤولية، فليس علية أن يتدخل في شؤونها، أو شؤون بيت زوجها، حتى عند الخلاف، فالشريعة سنت القوامة للرجل، فأنظر لمن تكون القوامة لها من بعدك .
مهند بن ناصر الخبيزي
twitter /   @mohanad1408
https://twitter.com/mohanad1408
جميع الحقوق محفوظة © تَهَاويلي