الاثنين، 12 أغسطس 2013

الطَّلاق والخُلع عند العامة من النساء




الطَّلاق والخُلع عند العامة من النساء


بسم الله الرحمن الرحيم
الزواج هو نواة المجتمع وأساس التكاثر الفطري الذي جبله الله ـ سبحانه وتعالى ـ على مخلوقاته، وأول لبنة شرعية في تاريخ البشرية هو اقتران أدم ـ عليه السلام ـ بحواء، فالزواج أمر من الأمور المهمة التي يجب أن يعي مفهومها الشرعي عند عامة الناس من حيث الحقوق المترتبة على الزوجين، والحدود التي لهما وعليهما، فمتى ما صلح الزوجين صلح الأبناء، ومتى ما صلح الأبناء صلحت الأسرة، ومتى ما صلحت الأسرة صلح المجتمع كله .
فأول خطوة لصلاح الأسرة يكون قبل الاقتران وكتابة عقد النكاح، وأول مرحلة من مراحل الزواج هو البحث عن الزوجة أو اختيار الزوجة، ثم يأتي بعدها الخطبة، وفي نظري أن مرحلة الخطبة هي أهم وأدق مراحل الزواج في صلاحها ورسمها الصحيح الذي يرجوه كل مقبل ومقبلة على الزواج، وفي هذه المرحلة تأتي المعايير المختلفة والمتفق عليها في اختيار الشريك سواء على الصعيد العاطفي، أو المالي، أو الظاهري، أو الجاه من نسب ومرتبة اجتماعية، أو ديني وهذا أهمها .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم و أصحاب السنن : تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك . وفي هذا الحديث ختم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدين وحض عليه بقوله : " تربت يداك " . ولا ريب بأن الدين هو المطمع الأول عند أصحاب المروءة، كون الدين يُطبع ويُصبغ على الأبناء فهو ديمومة الخير لهم والداحض لكل شر عنهم ـ بإذن الله ـ والدين هو الأجدر والأولى في اختيار الزوج أو الزوجة ثم يتبعه بما لا ينافيه ويناقضه، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنن أبي داوود: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
ففي عصر العولمة الذي نضارعه من تداخل ثقافات وحضارات الشعوب في دينها ودنياها من خلال سرعة المواصلات والمعلومات، أدى ذلك خلل عند بعض العامة، ولا سيما النساء منهن في حياتهن الزوجية على وجه الخصوص، فالمسلسلات العربية والأجنبية الهابطة، تحكي عن قصص حياة اجتماعية شمولية في الغالب تكون بين شريكين أو زوجين، فيها الاختلاف الديني والعقدي المسموم الذي غيَّرَ ثقافة سليمة كُنا عليها من قبل، فغالب تلك المسلسلات والأفلام تعطي المُشاهد الجمال المادي المحض الذي لا تجده إلا في الروايات الأدبية لدى هؤلاء، ولم تبني تلك المَشَاَهَدْ الجمال الروحي الذي ينّبَغي على الزوجين أن يعززوه في نفسهما قبل الماديات والمظاهر الكذّابة .
ولذلك يشتكي كثيراً من الأزواج على قصورٍ زوجية تَلَقّاهَا من زوجته، فبعض الزوجات المقصرات لأزواجهن، يتربصن لتلك الماديات التي يرنها في التلفاز أو يقرئنها في كتب الروايات الخيالية، ولم يجدن ذلك على الحقيقة كون الواقع يغلب على الخيال المرسوم بقلم، ويظنن بأن ذلك تقصير فيدفعهن بمثله، ولا أنفي بأن هنا مسلمات ضرورية من المفترض أن يقوم بها الزوج في تعامله مع زوجته كما هي في سيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع زوجاته، في حسن خُلقه وأدبه والجلوس معهن وملاعبته وإعطائهن جزء من وقته، أما تلك المشاهد والقصص فهي مبالغات مادية في التعامل بين الزوجين، أكثر مما هي روحية ينبغي أن تطغى على المادة .
ومن المشاكل الزوجية الدارجة في ملفات الطلاق بالدرجة الأولى، هو الجهل بالحقوق الزوجية المترتبة على الزوجين، ولا شك بأن المرأة في الغالب أكثر جهلاً من الرجل، ولذلك فقد كثرت الخلافات الأسرية التي أدت إلى أرقام عاليه، ونسب تزداد يوماً بعد يوم في محاكم الطلاق، وأكثرها في السنوات الأولى من الزواج ! وخاصة عند الجيل الجديد من الشباب والفتيات، الذين اختلطت ثقافتهم الفطرية التي جبلوا عليها من ثقافة أبائهم على ثقافة العالم الخارجي، فاكتسبوا تلك الثقافة المغايرة عما هي في الشريعة الإسلامية الغرَّاء، من العولمة بوسائلها المختلفة، حتى أصبحت ظاهرة المؤخر عند عقد النكاح شيء أساسي لدى بعض، وعزوف الشباب عن الزواج ظاهرة لحقت ظاهرة الطلاق خوفا من المستقبل فضلا عن غيره .
ومن مظاهر تغير ثقافة الزواج لدى نساء المسلمين في العصور المتأخرة، اعتقاد بعض النساء أن بيت الزوجية والزواج ككل، كالصداقة المؤقتة أو الدائمة على حسب المزاج، متى ما أرادت المرأة الطلاق أو الخلع أو فراق زوجها، ستجده بسهولة، وكأنها هي من تملك العصمة في طلاقها وليس الرجل، وذلك من جرَّاء جهلهن بحقيقة أمور الشريعة التي بنَّدت الحدود والتكاليف، ولا يخلوا أولياء أمورهن الذين لا يملكون العلم القليل نصيبا من هذا الجهل، فينبغي على أولياء أمور الفتيات قبل الزواج إرشادهن حتى لا تتأتى الشرور ويقعوا في فخاخٍ، ومشاكل عويصة، لا يخرجن منه أبدا حتى لو بعد شق الأنفس .
هناك اعتقادات لم نسمع بها سابقاً من بعض الزوجات الذين يجهلن الحقوق الزوجية تجاه أزواجهن، فعلى سبيل المثال قد سمعت بنفسي من أحداهن : " بأن المرأة ليست مجبورة على خدمة بيت زوجها من طبخ الطعام وتنظيف البيت ونحوه من الشؤون المنزلية المكلفة بها الزوجة، وأما الواجب الوحيد الذي على المرأة هو الفراش فقط ! . " ولا أظن أن أسمع مثل هذا الكلام عند الغرب والشرق، لأنها فطرة  بشرية لا تكتمل أنوثة المرأة إلا بها، فكيف بالرجل أن يريد الزواج من دون أن يُخدم في بيته ؟ وما هو الداعي من زواج الرجل إن لم يجد راحته وطعامه ؟ فعند علماء الاجتماع أن الممارسة الجنسية الزوجية تمثل 30% من الحياة الزوجية فقط، إذاً فهناك نسبة أعلى من الفراش المزعوم بتفرده في الحقوق .
وإن أتينا إلى الشريعة في وجوب خدمة المرأة زوجها من صنع المأكل والمشرب وتنظيف بيته ونحوه، في قوله صلى الله عليه وسلم : ... والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها . وقال ابن حبيب في الواضحة : حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وبين زوجته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنية وهي خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة . ثم قال ابن حبيب : والخدمة الباطنة : العجن والطبخ والفرش وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله . وأيضا فمن المعترف عليه عند المسلمين أن المرأة تَخّدم زوجها في بيته، فالعرف يكون بمنزلة الوجوب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والصحيح الذي يدل عليه أكثر نصوص أحمد، وعليه أكثر السلف : أن ما يوجبه العقد لكل واحد من الزوجين على الآخر كالنفقة والاستمتاع والمثبت للمرأة وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدر؛ بل المرجع في ذلك العرف كما دل عليه الكتاب في مثل قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف . البقرة 233 .
وفي هذه المعتقدات الدخيلة علينا والصاخبة، من خلالها كثرت المشاكل الزوجية ونشوز الزوجات على أزواجهن التي أدت إلى  الطلاق، وطلبه بكثرة من قِبل النساء، دون معرفة العواقب الاجتماعية والفردية عليها، حتى أصبح الطلاق يشاع أكثر من الزواج، ويخاض فيه من قِبل النساء خاصة بأحكامه القضائية، وبعضهن يرن أن باستطاعة المرأة خلع زوجها وطلاقها منه بكل سهولة، ولا يعلمن بأن المرأة إذا عُقِدَ نِكاحها لرجل أصبحت متزوجة لرجل يكون هو ولي أمرها والمسؤول الأول والأخير عن حياتها ما دامت في ذمته، وأن لديه العصمة المُطلَقة في طلاقها وشؤونها كله، وأن طاعته مقدمة على طاعة كل البشر حتى على والديها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت أمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على  قتب لم تمنعه .
ومن الأدلة الشرعية على تقديم طاعة المرأة زوجها عن طاعة والديها  في حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال : زوجها . قلت : فأي الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال : أمه .
وفي الأنصاف ( 8/362 ) : لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها، ولا زيارةٍ ونحوها، بل طاعة زوجها أحق .
وفي شرح منتهى الإرادات 3/47 : إذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة الأبوين، قُدِمت طاعة الزوج، قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : أوجب عليها طاعة زوجها من أمها إلا أن يأذن لها .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى : المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب . وقال ـ رحمه الله ـ أيضا : فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة .
وعن حصين بن محصن قال : حدثني عمتي قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حاجة . فقال : أي هذه أذات بعل أنت : ؟ قلت : نعم . قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه . قال : فأين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت .
وروى الترمذي في سننه عن أبي أمامه ـ رضي الله عنه ـ قال : ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، العبد الأبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون . حسنة الألباني .
ولذلك فقد أشار الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة على توصية الرجال في حسن عشرتهم مع النساء والتقوى بهن، وكذلك السنة النبوية فيها الكثير والكثير من وصايا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرفق بهن وحسن عشرتهن، ولا سيما في حجة الوداع فقد خطب رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ خطبة خصص فيها جزا من حديثه عن النساء، والرفق بهن بأبي هو وأمي .
وبعد هذه الأحاديث المستفيضة، والأحكام الواضحة الجلية، نجد الجهل المركب عند بعض عامة النساء في الحقوق الزوجية التي رسمها القرآن والسنة، والأدهى من ذلك تعجبت كثيراً من بعض أقوال اللاتي طلبن الطلاق من أزواجهن زعماً منهن بأن استطاعة المرأة تطليق زوجها أو خلعه دون إرادته، وقد تفاجئ الكثير منهن عندما طلبن ذلك أمام القاضي في المحاكم الشرعية، فالخلع على وجهة الخصوص يترتب عليه شروط وأحكام مثبتة، وإن أرادت المرأة الطلاق من زوجها دون عذر شرعي، فقد تُكلف على نفسها بمالا تحمد عقباه، فقد يشترط الزوج على تطليقها إرجاع المهر والذهب وغيره من الأعراف التي تدخل ضمن المهر، وتُعطى قبل الزواج، وقد يزيد عليها أيضا، وعند أهل العلم أن الزوجة إذا طلبت الخلع من زوجها، فعليها أن ترجع للزوج ما أخذته منه ـ إن أراد ـ سواء ما يسمى بالشبكة أو الصباحية، وكذلك يسقط مؤخر المهر ـ إن وجد ـ لقوله تعالى : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون . البقرة 229 .
ولذا على الزوجة أن تتقِ الله في زوجها ولتخش وقوفها بين يديه ـ جل جلاله ـ في يوم تبلى السرائر ويبرز المكنون في الضمير، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة . رواه أحمد، وأصحاب السنن . وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها ولعنتها الملائكة حتى تصبح .
وصلى الله  على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مهند بن ناصر الخبيزي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © تَهَاويلي