الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

حقبة من الزمن المعاصر السعودي

مهند بن ناصر الدوسري

     مرَّ علينا في التاريخ الاجتماعي مراحل تُغير القناعات البديهية في اعتيادها السلوكي دون أن يشعره كلُ لاحقٍ اعتاد كلَ متغيرٍ لماضِ لم يلحقه أو عاصره، ولنا نماذج في تلك المتغيرات التاريخية، وما زلنا نعايشها كبيرها وصغيرها ويكرر البعض نفس الشجوب السلوكية خاصة ما هو طبيعي وضروري يرهق نفسه في مغالطات منطقية وبديهيات الحياة، ويدخِّل الشريعة زورا ليصوغ رأيًا خاطئا حتى يكون معصوما .
      وآخر هذه الحوادث المتسلسلة التي طال تخبطها هو (قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية) فبعد القرار الملكي الذي سمح للمرأة قيادة السيارة أصبح في هذا العالم بالكرة الأرضية، قيادة المرأة شاملة على البشرية، فليدوّن المؤرخون هذا الحدث الجلل ليومه أن آخر دولة وحدود سياسة تسمح فيها قيادة المرأة السيارة هي المملكة العربية السعودية؛ طال منعها بحجة العِفّة، وسد الذرائع، والخوف عليها، ولو اختلت بالأجنبي! .
     فمثل هذه المغالطات الشرعية كانت معولا بأيدي النقاد من الديانات والمذاهب الأخرى، على المدرسة النجدية (الوهابية) في تحريم ضروريات الحياة باجتهادات (سد الذرائع) فتباح تلقائيا أحكام محرمة كمنع المرأة من قيادة السيارة وضرورة اتخاذ وسائل أخرى منها الركوب مع الأجنبي التي يعتبرها أغلب الفقهاء خلوة، أو المشي على قديمها تتعرض أكثر مما يخشى عليه في قيادتها للسيارة .
     مع تقدم أعمارنا وإطلاعنا على شتى العلوم والمعارف ثم إعمال عقولنا في سبب تخلفنا وضعفنا ونحن نعتنق الدين الصحيح، اتضح وما زال يتضح لنا أن الدين الإسلامي ليس سببا في تخلف الأمة، وتقهقر عقليتها، وفكرها الذي يمارس معتقدات يعتقد سلامتها، وصحتها، ويناقض ضروريات الشريعة في منع الخلوة؛ حتى رأينا اعتياد ركوبها مع سائقها الخاص أو العام أو تسير على قدميها في الشوارع تسترجي من يوصلها لمكانها ضعيفة صاغرة مستحية خائفة، وكل ذلك هيّن عند الرافضين لأنه ممارس ومعتاد . أما قيادتها للسيارة بحفظها، وسلامتها فهذا يخل بشرفها، وسمعتها كما يعتقد المعتادون على منعها؛ فالسلوك الاجتماعي أو النفسية الاجتماعية في غالبها ترفض الجديد، حتى لو كان العقل يؤيده والشريعة تجبره، فلا خوف عليهم فسيعتادون وسيقول أولادهم وأحفادهم بعد بضع سنين لماذا منعتم أمهاتنا وجداتنا قيادة السيارة وجعلتموهن يختلن بالأجنبي؟ .
     أكتب هذه الرسالة بصفتي مقلد المؤرخين الذين عاصروا أزمنة دوّنوها، واستقرأ حوادث تاريخيه في بلده من تحريم تعليم المرأة والرّاد والتلفاز والهاتف والجوال إلى قيادة المرأة وكل حقبة من تلك الحوادث صار عليها لغط وشطط، ثم استنكر الأبناء والأحفاد تلك التي كانت ممنوعات، واليوم يستنكر أولاد أولادهم وأحفادهم جديدا طرأ عليهم وسيعتادون .
     وما يؤسفني في هذه المرحلة أن أغلب المجتمع السعودي انقسم على شطرين رئيسيين :
 الأول : رافض القيادة دينيا في زعمه ولكن حقيقته خوفا من جديد وسلوكا حدث وهذا أمر طبيعي في الاجتماع النفسي .
والثاني : مراهن يظن في نفسه كسب قضية يظنها كانت مبدأ باسم (ليبرالية) يناهض بها الإسلام قبل المسلمين وجعل هذا القرار جزءا من قرارات ستحدث كونه صاحب الحقيقة ومسموعا من أصحاب القرار .
     أما أنا فمن القسم الثالث القليل، يحكّمون شرع الله في مصالحه ومفاسده ومعرفة بواطن الخلل الثقافي والاجتماعي الذي يجب أن تتغير، وفي نفس الوقت يلعن الإلحاد المسمى بالليبرالية والعلمانية، ويأسف على المقلدين الزاعمين بتطبيق الشريعة بمبدأ (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © تَهَاويلي