الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

مفك اللسان


كرمني الله أمس بالجلوس مع أحد الوافدين الهنود في إحدى متاجر السباكة والكهرباء لأشتري مفك رقم ثمانية لأصلح بنفسي فخرا بطارية سيارتي ولاعتاد على كل المهن البسيطة التي كنت استكبر نفسي عليها وأجعل العلاوة التي كنت اتقاضاها من راتبي تحت راحتي؛ فأجلسني حبا وكرامة لتعاملي القديم معه وتداولنا حديث الغائبين عن معاملاتنا الشرائية فأرسل بنا الحديث عن أوضاع أهلي وأهله بلغة عربية متكسرة بالكاد نفهم على بعضنا كما هو المعتاد في افتتاح الجلوس بين الأصدقاء، فأحببت أن أكسر الجدة في الجلوس فذهبت به عن حال الهند بأجوائها وطبيعتها التي أرجو زيارتها وأعقد معها صداقة لا تقل ودا عن إندونيسيا الطامعة بالجواز الأخضر، ثم تطرفنا عن حال الهند الاجتماعي والاقتصادي لعلي أجد ريح الحلم الجميل الذي أوده لبلدي من إصلاحهما . وعطفنا على حال المسلمين والإسلام الذي يمر في بلاد الهند أشد محنة من حكومة هندوسية معادية للإسلام والمسلمين، فسمعت ما يسرُ الإسلام في أقصى جلده، وذكرني بحال السلف الصادق الذي يأكل ويشرب بشقاء، ويحيى بسعادة على دين أكرمنا به ربنا لا يريد بنا أن نجعله مطية لشراء الأكل والشرب داخل جبة التمشيخ كما هو حال الكثير من مسلمي العرب أو شراء الجماهيرية والشهرة لتتحول فيما بعد إلى شبه إمامة معصومة يتبدل حكم الإسلام إلى طوائفَ كلها في النار إلا واحدة وهي منزوية الآن لحكمة قد يريدها الله ليجدد الدماء والعقول .
المسلمون اليوم ينقسمون إلى دويلات ذمّها القرآن وجعلها ضعفا على أهلها إذ قال سبحانه وتعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وهذا التقسيم أنتج من خلاله أديان في ظاهرها الإسلام وفي باطنها الوثنية وأقصد بها الوطنية التي فرقت بيني وبين هذا الهندي المسلم وجعلت أخلاقنا وتعاملاتنا يحكمها الحبل الوطني بطبقيات مقيتة مذمومة، إذ إن الوطنية اليوم في مفهومها : الاعتزال وقطع الاعتصام الديني، ولنا في اليومين الماضيين إعصار في تخبط أحوال الوطنيات الإسلامية بين المسلمين أنفسهم وهو قديم منذ عصره الحديث بعد سقوط العثمانية وتقسيم الأمة كما هي معهودة اليوم، ولكن جددها الله في حلب لينذرنا بحالنا ويذكرنا بمواضع القوة التي كان الإسلام عليها وأنه يقوى بقوة أهله، وهذه القوة تبدأ بمعرفة المراد من القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة في عقول الأمة بأفرادها أولا ثم بجماعاتها ثانيا ليصلح بها أمتها بأمصارها ثالثا؛ فأفراد الأمة وجماعاتها اليوم يمرون في تخلف وجهل في دينها ودنياها مما جعل أمتها بأمصارها في آخر الأمم، فهم أبعد الأمم عن العلم والمعرفة بشقيها الديني والدنيوي وأقرب الأمم للهزل والبعد عن جادة الحياة .
صمت أخي الهندي الذي تحدث معي بشفقة على الأمة الإسلامية وأخفى ابتسامته معاتبا بعض الشيء حيث يرى عبر زجاجة نظارتي تاريخ العرب القديم منذ صدره الإسلامي فقال "أين الرعيل الأول الذي طبق بما نزل عندكم من نور الهدى وأخرجنا من ظلمة الطغى؟ أين هم من النصوص العربية التي لا يفهمها سواكم ولا نفهمها من سواكم فتنزولها في مخاضنا هذا ونولد ولادة جديدة؟"
فصمتُ وتمنيت أن أطلب منه مفكا لعقدة لساني بدلا عن بطارية سيارتي .
مهند بن نا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © تَهَاويلي